مكتبتي #2: طه الغريب .. محمد صادق
"أحتقرهم لسطحيتهم و برود مشاعرهم.. أحتقر كل من سمح بقتل شئ جميل داخله ليستمر في هذه الدنيا كما يريدها الناس أن تكون.. كلهم يسعون لأن يعيشوا فقط.. لا داعي للأحلام لأنها لا تؤكل العيش.. فتجدين نفسك بلا أية ميزة إلا أنك كررت مسيرة حياة كل من سبقوك.. و عندما تحلمين.. تجدين ألف من يخبروك بأنك بلا فائدة.. وكل ما تفعلينه هراء في هراء.. و دعك من الأوهام و ادخل في الواقع.. كأنهم كلهم فهموا فلسفة الكون وأنت الأبله الذي ما زال يحلم كطفل.. أحتقر كل من أصبح مثل أي شخص آخر بلا أية ميزة...
ثم ابتسم بغته قائلاً:
- تخيلي أن أصعد المسرح فقط لأقول لهم..
و صمت لحظات مفكراً، ثم قال مبتسماً:
- لكم كثير احتقاراتي... "
من أكثر المقاطع في الرواية و التي تلخص شخصيه طه الغريب بدقه، صاغها محمد صادق بعناية بالغة، باحكام، فإن أردتم تلخيص كم المشاعر والسخط الذي يعانيه طه، فهذه الجملة هي ملخص واف لأشياء كثيرة بشخص طه المثير للشغف.
القصة دائماً تبدأ من الغلاف، مشكلتى مع الغلاف هو المنظور الثنائي له، بمعنى ان نظرتى أختلفت للغلاف بعد انتهاء القراءة، للوهلة الأولى، أنت أمام غلاف مبدع شيق رائع، و ملهم و مثير للشغف.لكن بعد أن تنه الرواية، بل و قبل أن تنهيها، تحاول أن تتفادى النظر نحو الغلاف و أنت تعيد إمساك الرواية من جديد لتكمل القراءة من مكان ما توقفت أمس، الفكرة بسيطه و لا أعرف كيف أفلتت من محمد صادق ولا الأستاذ/ يحيى هاشم "الناشر" وهو عن تجربتي الشخصيه يعطى كل التفاصيل حقها و لا يدع شيئاً للصدفة لكن ها هنا حدث أمر مريب، طوال الرواية نعرف أن طه يعزف الأورج.. أما الموجود علي الغلاف فهو بيانو واضح وضوح الشمس، و هناك فارقاً واضحاً بين الآلتين..
ملحوظة: أنا لا أنف كون الغلاف متميزاً، لكنني لا أجد له علاقة وطيدة بالرواية، هو غلاف لرواية أخرى أعتقد..
أما عن "طه الغريب" فالرواية لها بداية عادية جدا .. أعتقدت أني سأكون أمام نموذج نمطي للرواية الرومانسية التي تكرس معاني الوفاء و الحب والتضحية، لكن سرعان ما تطور الامر، فهناك حدثا غير اعتياديا يحدث هاهنا، طريقة السرد و منح العناوين للفصول كان مذهلا، و يزيد من التشويق و يدفع القارئ للتركيز طوال القراءة، فلا شئ يمكن تفاوته، فلنهاية الرواية لا تستطيع تكوين صورة كلية عن حقيقة ما يدور .. فمن هي نغم و من هو احمد سالم و كيف تداخلا في حكاية طه الغريب و معشوقته أشجان والمربع المحب نادر وسما وغادة والطيب.
الكثير من التشابك يحدث ولا تفسيرات واضحة، بيد أن المتعة واضحة بصورة ملفتة، في البداية أعتقدت أن الحوار متخلياً عن العامية سيصبح عائقاً في قادم الصفحات، لكن الأمر لك يشكل عائقاً علي الاطلاق، بل كان بمثابة براح لغوي لمعت فيه الجمل الحوارية لمعان اللغة البهي، ونعم أفلتت من صادق بعض التعبيرات العامية لكنها أبداً لم تؤثر علي رونق الحوار، واستمر صادق في ابهارنا بتطور الشخصيات مع الوقت، ترسيخ المعنى الحرفي للدراما واضحاً للغاية، فلا وجود للنهاية السعيدة، وكذلك الصراعات التي أصلها بجمل سردية غاية في الدقة، و تبعث على التركيز كذلك، يلقيها كما يبدو باهمال، لكنه أبداً لا يفعل ذلك، توضيح و إبراز الصراع النفسي الدائر بين طه و نفسه رسمه صادق بلمحة فنية غاية في الدقة و الروعة..
الكثير من التشابك يحدث ولا تفسيرات واضحة، بيد أن المتعة واضحة بصورة ملفتة، في البداية أعتقدت أن الحوار متخلياً عن العامية سيصبح عائقاً في قادم الصفحات، لكن الأمر لك يشكل عائقاً علي الاطلاق، بل كان بمثابة براح لغوي لمعت فيه الجمل الحوارية لمعان اللغة البهي، ونعم أفلتت من صادق بعض التعبيرات العامية لكنها أبداً لم تؤثر علي رونق الحوار، واستمر صادق في ابهارنا بتطور الشخصيات مع الوقت، ترسيخ المعنى الحرفي للدراما واضحاً للغاية، فلا وجود للنهاية السعيدة، وكذلك الصراعات التي أصلها بجمل سردية غاية في الدقة، و تبعث على التركيز كذلك، يلقيها كما يبدو باهمال، لكنه أبداً لا يفعل ذلك، توضيح و إبراز الصراع النفسي الدائر بين طه و نفسه رسمه صادق بلمحة فنية غاية في الدقة و الروعة..
يبقى أن ألمح حارقاً شيئاً من الأحداث، حاولت قراءة الرواية متقمصاً دور الناقد، أحاول أن أجد أي ثغرة هنا أو هناك، ولم يهزنى مشهد طه الأخير علي الاطلاق، لكن ما ان صعد طه الصغير خشبة المسرح و بدأ في العزف .. حينها لا أدرى كيف خلعت ثوب النقد، و بدأت عيناي في سيل مبرر من الدموع، هذه اللحظة بنظرى و مشهد أشجان الأخير هم من أروع التجارب الانسانية التي قرأتها بحياتى ..
محمد صادق في تجربته الروائية الأولى ..
أقل ما يقال عليها هو عبقرية أولى لم تحالفها حظ وافر وقت صدورها، لكنها تعوض هذا الآن.
ولأن ليس هناك وجود للكمال .. فـ 4 نجوم من 5 تفي بالغرض..
ملحوظة: أنا لم أقرأ هيبتا و لا بضع ساعات في يوم ما بعد .. فتباً للغربة :(
تعليقات
إرسال تعليق