رهف: لله مصير من سلك دربك .. صرخة أنثوية مرتفعة الصدى في وجه المجتمع.
ترددت كثيراً قبل كتابة هذه السطور، لا لسبب إلا ان كلما تأخر بيانها إلا ويزداد التأمل في مطالبات الرواية الفكرية وتماسها مع قضايا جديدة وفيضها كنبع أفكار وصرخات مدوية أصابت هدفها بحفرفية مطلقة. فبعد عام من الأنتظار أطل علينا مصطفى منير بلوحة فنية بل إنها معزوفة وترية علي كمان الهادئ "بدر مصطفي" الذي نالت من نفسي لحظة انسجام مع النص لأستمع للحن عزفه بدر بإتقانه المعتاد في إحدى الحفلات الموسيقية التي حضرتها مؤخراً.
في البداية كانت التقنية السردية التي أستخدمها منير في الرواية، تقنيات السرد متعددة وتأخذنا كل طريقة نحو درب من التأمل والغرق في النص، أصر منير علي خوض التجربة مع راوي عليم غير تام العلم لأنه يروي علي لسان بطلة الرواية دون المساس بها وأستخدامها كراوي، ولم نشعر بغرابة المزج بين هذا وذاك، فقد صاغها منير بحرفية يبدو انه ظل يتدرب عليها ليتقنها تمام الاتقان في روايته الثانية.
وبالحديث عن عقدة الرواية التي من الصعب علي الجميع أن تصلهم بمرونة وسهولة ككافة الروايات المطروحة أمامنا، فغالباً الروايات التي تدور حول شخص بعينه يواجه القارئ هذا التشويش حول العقدة الحقيقية للرواية خاصة مع تزاحم الأحداث بصراعات ثانوية كثيرة وبالتالي عقد ثانوية كثيرة، أما في رهف، فالعقدة هنا أحب أن أطلق عليها أطروحة وليس عقدة، أطروحة الرواية كبيرة ومزدحمة وتتسم بمعناها البراق، لكنه صعب النقاش في دواخله. عقدة الرواية كما رأيتها تكمن في التحذير الذي تفضحه الرواية عن كافة المشكلات والمنغصات التي تتعرض لها المرأة العربية في حياتنا، قد تجد نفسك في خضم قراءتك للرواية أمام مصطلحات نسوية كبيرة بتنا نألفها لكننا نخشى الحديث عنها بلا توريات ولا أستعارات كبيرة أيضاً. مصطلحات كقهر المرأة للمرأة ستجدها متجليه نصب تفكيرك وأنت تقرأ كثير من الصفحات..
التحرش والختان والتنازلات الجنسية والاعتداءات الجنسية كذلك داخل نطاق الأسرة، وأشياء من هذا القبيل.. قضايا خلافية جبارة خاضها مصطفي منير بصحبه بطلته الخارقة رهف التي تحذرنا بجمالها بعد أن تجرعت كل مشكلات المرأة بأن اليوم قادم لتصير وحشاً فتاكاً ينهش الجميع للحصول على حقوقه كامله. التحذير الذي تطلقه الرواية من أن البطش بالأنثى سيدفع بها نحو حافة الأستقواء ومحاولة الخلاص بطرق غير مشروعة بحكم المبدأ لكن المجتمع أجازها للتعامل معها فتجيزها بدورها للأنتقام ..
سأظل أقول لهذا رهف رواية رومانسية فلسفية بروح تحذيرية.. رهف: لله مصير من سلك دربها حقاً .. رهف صرخة مكتومة وصلنا صداها في وجه مجتمع أزدوجت معاييرة وتبدلت..
نصيحة أخيرة لمصطفى منير..
حاول من الآن التفكير جدياً في تحويل الحوار في رواياتك القادمة للفصحى، فأنت تلامس الفصحى ببلاغة وقورة في سردك المنمق وباستخدامك المونولوج بحنكة أخرجتنا منه لغة الحوار العامية، ربما لو الحوار بالفصحى ها هنا لأكتملت المعزوفة بصورة مثالية..
تقييمي للرواية 4/5 ..
وفي انتظار قادم أفضل بلا شك ..
تعليقات
إرسال تعليق