مكتبتي #1 : الليالي الهادئة .. ميسلون هادي
" نؤمن الشاي الفاخر الذي يزيل التوتر و يغذي الروح ، و نضع ، في كل عبوة منه ، النوعية العالية و الفن الجميل و الفلسفة الملهمة ، نأمل أن يستمتع الناس بشربه في كل مكان كما نستمتع نحن بصناعته هنا في كلورادو بأمريكا "
لم أجد أفضل ما أبدأ به سوى كلمات ميسلون هادي نفسها ، و هي تنهي القصة الرئيسية في المجموعة المتميزة التي نشرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة في مصر ضمن سلسلة كتب تهتم بإبداعات الكتاب العرب ، تنشر تحت عنوان "أفاق عربية" ..
الكتاب وقع في يدي بالصدفة ، فلكم هو مثير ما تجده علي الأرصفة بحوزة بائعي الجرائد ، مع أن كتب كهذه هي الأحق بتزيين الأرفف في المكتبات الكبرى بدلاً من هراء بعض أنصاف الكتاب .. و لكنها الدنيا ، لا تمنحنا أبداً كل الأشياء الجيدة ..
الليالي الهادئة هي مجموعة قصصية تدور في فلك هادئ نسبياً ، متأثرة جميعها بالغزو الأمريكي للعراق ، طبعاً جاء هذا طبيعياً لأن كاتبة المجموعة هي من الأدباء العراقيين ، و مما لا شك فيه أن الأحداث الجارية ستؤثر و لا شك في كتاباتنا ، هي لا تكتب عن الغزو كموضوع أصلي للحدث ، و لكن هناك من الدراما ما هو مخبأ بين طيات القصص ، فالليالي الهادئة مثلاً هو وصف صغير للحظة الشوق لليالي الهادئة قبل الغزو الأمريكي و قبل أ، نفتقد تلك الليالي ، و أن نبدلها بالأمريكان الذين أستحلوا منازلنا يدهسوها متى أرادو بأقدامهم ..
* * * *
أسمع صوتها و هي تدور لتمحو عتبات الأصوات الأخرى داخل البيت ، و أنظر أمامي إلي أغصان الحديقة التي جفت و تحولت ألوانها من الأخضر .. إلي الأصفر و الأسود و الرمادي . خلف تلك الأغصان تبدو نوافذ البيت المقابل و قد تجمع الحمام فوقها بالعشرات كعادته عندما لا يخاف التزاوج في بيت مهجور . أحاول أن أقتل يوماً جديداً في مهده و أنهيه قبل أن يبدأ ، و ذلك بأن أرتب ، في رأسي ، جدولاً للأنقضاض علي الوقت بالأشغال التي تتجاوز روتين شراء الخضروات و الخبز و رش الحديقة و غسل الممرات ، إلي التسلق علي الحيطان و تغيير الستائر و مسح المصابيح ثم النزول لتغيير أماكن الأرائك و رفع الورود الميتة من السنادين و وضع الصور القديمة في إطارات جديدة ، و ما إلى ذلك من أشغال تلملم الوقت فتجعله يبدو قصيراً ..
القميص ..
أقل ما قد يلاحظ علي آداء ميسلون السردي في هذه المجموعة هي الأهتمام برسم بعض التفاصيل بصورة جنونية مما يدفعك للتركيز فيما تقرأه بذات الصورة الجنونية من أجل الوصول لغاية القصة التي تتسم في النهاية بإنسانيتها و معناها البشرى المتميز .. أسلوبها قد يدفعك أحياناً لفقدان التركيز و البدء من جديد في القراءة ، لكن صدقني ، هذا ليس شيئاً سيئاً ، فالقراءة الثانية تكون في غاية الإمتاع ..
* * * *
جميع الذين أختارهم أبطالاً لقصصه في الماضي كانوا من جيرانه و معارفه و أصدقاءه المقربين .. يقتلعهم من بيوتهم ، و يخلع عنهم أهابهم الفاني الهش و يضعهم في مهب أبواب مختلفة تستعصي علي الزوال ، ثم يرسلهم إلي الشوارع و باقي بقاع الأرض ، و يجري علي ألسنتهم لغات أخرى غير لغاتهم ، و أحياناً يسمح لصوته أن يعلو علي أصواتهم ، ثم يجعلهم يسيرون .. هكذا يطلقهم إلي الوجود مثل دمى المغازة الواقفة بقاماتها الشاخصة في الواجهات الزجاجية .. فيكون رسوخهم في الواجهات أبدياً و لا يتغير بتغير الفصول ..
بطل القصة .. ..
تقييمي العام للمجموعة : 4/5
من أكثر التجارب الممتعة في المجموعة هي هذه القصة ، فهي تصف معاناة الكاتب في بحثه الدائم عن البطل المناسب لقصته القادمة ، وكيف يتحول الأمر في النهاية من تشابك بين كل الأبطال الذي وقع عليهم الأختيار من أجل صياغة حكاية واحدة فقط بدلاً من قصص كثيرة ، و كيفية صياغة حبكة مثيرة و خلق الترابط القصصي بين هؤلاء الأبطال .. كانت هذه القصة تحديداً تجربة قراءة ممتعة بغض النظر عن ضعف مستواها الأدبي مقارنة ببقية قصص المجموعة ، لكنها تبقي من أفضل ما قرأت قرباً لنفسي خلال الفترة الماضية و لا شك ..
ميسلون هادي نشرـ أول مجموعة قصصية لها عام 1985 مما ينبئني بأنها كاتبة متميزة سأبدأ في التنقيب حولها لقراءة ما يتسنى لي الحصول عليه من أعمالها ..
تقييمي العام للمجموعة : 4/5
تعليقات
إرسال تعليق