اليوم ليس ككل الأيام :)


أبي .. 
اليوم ليس ككل الأيام .. كل عام و أنت بخير .. اليوم نحتفل معك بيوم مولدك .. و لنذكرك بأنه ليس مولدك وحدك، بل مولدنا جميعاً، أنا و أخوتى و حتى أمى، فكل شئ يدور في ذات الدائرة التي أنت مركزها، اليوم و أنت تتم عامك الستين أخبرك بأن اليوم ليس ككل الأيام، مولدك اليوم ليس ككل مولد مر بك، ليس ككل شمعه أطفأناها سوياً أو أطفأتها يوماً وحيداً أيام ما كنا غيباً، اليوم ليس ككل يوم مر بحياتك قبلاً، و ليس ككل يوم مر بحياتنا أيضاً، اليوم هو يوم ميلاد جديد، فلا تبكي عمراً فات لأنك علي وشك بداية عمر جديد، العام الستين لا يعني شيئاً سوى ترك العمل الحكومي، و هم من آمنوا ان هذا العام هو نهاية العطاء، و لا يدرون ان ها هنا فقط يصل العطاء لذروته، و تبدأ الحياة في الانحناء مع تجاعيد الوجة لتمثل طرقاً و دروباً ممهدة علي عكس ما يبو عليها. 
اليوم يمر و أنا لست بالقرب منك للمرة الثانية، عيدك التاسع و الخمسون أيضاً لم أكن معك، فاتتني أهم لحظات حياتك، لا شك أني ابن سئ، و لا أدري لماذا ألوم نفسي الآن علي أشياء كهذه، أشياء لا أدري أن كنت من المفترض أن أشهدها أو لا.. لقد فاتني يوم مولدك من ستين سنة، نعم لم أكن من الوجود، لكنني الآن أتمنى أن أعود بزماني لأشهد أول لحظاتك علي الأرض و أنت تبكي بكاءك الأول و جدي يقبلك القبلة الأولي، لأقف أمام هذا مشدوهاً و أتأمل عظمة الخالق و جلال اللحظة، فاتتني أولى كلماتك، كيف سمحت لنفسي أن تفوتني هكذا لحظات و أنت لم تفوتها معي ، كنت حاضراً لكل شئ، شهدت مع أمي أول كلماتي و أول خطواتى و أول أيام دراستي و أول أيام شبابي، و أول مرة لامس موس الحلاقة وجنتى و أول طابع ألصقه باستمارة رغبات التنسيق و أول أيام دراستي الجامعية و أول أيام تعلمي قيادة السيارة، و أول أيام قيادتي لها، رغم انك لا تستطيع القيادة إلا أن وجودك بجواري هو فقط ما يمنحنى الثقة، هو وحده، و يوم أن دق قلبي لم يكن غيرك ليعرف، أفضل من كتم أسراري و أكثر من نصحنى و أكثر من أحبني بلا شك ، لا تنافسك في هذا الحب سوى أمى بارك لي الله فيها :) 


و تبقي أنت أيضاً مع أمى خير من ساندني يوم أن أيقنت أن قلمي أنكسر و أن ما كان يخرج علي الورق هو هراء مبعثر، و كنت انت مع أمي قراءي الأول .. ناقداي السباقين .. هذا لا شك كبير. 
و بالرغم من هذا كله أجدني الآن بعيداً عنك في يوم هام كهذا، يوم ميلادك الجديد، يوم ما ستبدأ عمراً جديداً مديداً حراً بعيداً عن قيود الوظيفة و هراء المكاتب، أجدني غير موفقاً معك في أياً من لحظاتك و لهذا أكتب هذا ها هنا اليوم ... أعبر لك عن كل ما دار بخيالاتي، كل فكرة جالت بخاطري، و لتسامحنى ان كنت لم أدرك لحظاتك الأولي في كل حياتك، رغم انك لم تفوت احداها .. أبي العزيز .. كل عام و أنت لي سنداً في الحياة و داعم .. كل عام و انت لي أباً أفخر به و اتمناه إن لم أكن حظيت به .. 
كل عام و أنت بخير .. أقولها لتسمعها مني و لا أدري كم من المرات قلتها لك في سابق الأعوام ، لكنها لك لتسمعها لمرتك الستون .. دمت لنا ستوناً فوق الستون و ستونا ًأخرى فوقها .. و حقاً .. أشتقت لدفئ أحضانك .. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أول عيد ميلاد في الغربة

رهف: لله مصير من سلك دربك .. صرخة أنثوية مرتفعة الصدى في وجه المجتمع.

مكتبتي #1 : الليالي الهادئة .. ميسلون هادي