عن الثقافة والثقافة الجديدة والثقافة البديلة والما بين بين !!

يعني ايه ثقافة؟ 
سؤال معقد جداً لا يسع أحد الاجابة الشافية الوافية عليه. لكنني سأحاول جاهداً أن أضع مقدمة ما ودليلاً تتفتح معه عقولنا للاستجابة فقط للهمسات الأولى للاجابة على هذا السؤال.. 


أخبرني أحد أساتذتي حين مرة "أعرف شئ عن كل شئ، وكل شئ عن شئ" أعتقد ان هذا ما هو إلا نواة من أجل تعريف الثقافة.. سأعود اليها لاحقاً. 
إحدى الموارد الأولية للتثقيف هي القراءة، وفي تلك النقطة ينقسم الدور الأخلاقي للتثقيف ما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك المؤسسات الخاصة الهادفة للربح جنباً إلى جنب مع دور الأسرة السلطوي في التوجية والنقد والأختيار وتنميق الأختيارات وتأطيرها في إطار سليم يدفع العقل لأخذ المنحنيات السليمة في دروب التثقيف. 
سأبدأ بدور الدولة.. 
دور الدولة ليس فقط في توفير منتج قابل للقراءة عن طريق مدخلات النظام التثقيفي كهيئة الكتاب بروافدها المباشرة وغير المباشرة كمشروع مكتبة الأسرة، ووزارة الثقافة بمشروعاتها المتعلقة بالنشر في المجال الأدبي كسلسلة الجوائز مثلا وكذلك دور المجلس الأعلى لقصور الثقافة في نشر الكتاب كنافذة تتلقى دعماً هائلاً من وزارة الثقافة التابعة للدولة بدورها. ولا ننسى دور المركز القومي للترجمة في نقل الثقافة الخارجية وتعريبها لإتاحتها بالصورة الأقرب للمتلقي العربي . 
ثم المنطقة الأخطر ها هي آتية 
المدرسة .. 
دور المدرسة من أهم الأدوار التي تلعبها الدولة في لعبة التثقيف، فلولاها لغاب التوجية السليم في ظل غرق الأسرة في الهموم الاقتصادية فلا يبقى سوى دور الدولة متمثلاً في المدرسة من أجل توجية النشء نحو مؤسسات الدولة للاستزادة من ما تدعمه الدولة من أجل بناء الجدار الثقافي الذي تتكئ عليه الدولة. 
ولما فسد دور الدولة بفساد دور المدرسة وحينها باتت مؤسسات الدولة كذك بلا قيمة بالتبعية وهذا الفساد نابع من أسباب كثيرة قد أفرد لها مساحة أكبر للنقاش والتفنيد . 
ولما كانت الحكومة تحجم من نشاطات مؤسسات المجتمع المدني مع الوضع في الاعتبار أيضاً أجنداتهم الخاصة ممن لم تضيق عليهم الحكومة فاننا لسنا أمام تيار ثقافي يصنع بحيادية، لا من قبل الدولة ولا من قبل المؤسسات الغير حكومية، لذا فنحن أمام دور النشر الخاصة التي تضع أجندات اقتصادية أخرى في المواجهة، فهي لا ترعى الثقافة ولا السياسة ولا تعرف أي شئ سوى عن المال والمال فقط.. 
ومع الوقت تشكل بفعل أفراد وأفراد فقط تيار ثقافي بديل، لا يعني بمعرفة شئ عن كل شئ، وكل شئ عن شئ، بل انه يكتفي بتعريفك بمبادئ وقشور وفي ظل عدم المعرفة السائدة فستكون أنت كعالم فيزياء محنك تخطى ببراعته كل أقرانه من الهواة. 
الأمر برمته أشبه بهذا الكاتب الذي أستساغ رباعيات جاهين فقرر انه يستطيع الإبحار في بحور الشعر ما دام يمتلك ناصية النغم لا ناصية الكلم، وهذا الكاتب الذي قرأ ترجمات سيئة لروايات دان براون وهو أديب معاصر قد لا يلتزم بكلاسيكية قواعد الكتابة الروائية ليتعلم منه كيف يقص حكايات الأطفال على شاكلة رواية تهز السوق.. 
ولما غاب دور الدولة في تحديد النسق العام للحراك الثقافي والمعرفي، فبات علي المجتمع نفسه التقاط طرف الخيط لإنشاء تيارات ثقافية جديدة لا تعني بالكلاسيكية ولا تعترف بها، بل وتثور على قواعدها أيضاً، ومن هذا وذاك نشأ تيار بديل لا يدري أي شئ حرفياً عن أي شئ، ويتفاخر بمعرفة صغائر الأمور فقط معتبراً أنه أزال الغيوم عن الرؤى .. 

هذه مجرد خواطر انتابتني في الأيام السابقة مع الهرج الدائر في النشر حالياً ومع بزوغ نجم ديوان خمسة خصوصي مرة أخرى، ودفاعاً عن أشباة المثقفين، فما يحدث ليس ذنبهم وحدهم، بل هو ذنب جيل كامل وأجيال آتية غاب عنه التوجية وغضت الدولة عنهم الطرف لا بالتوجية أفادتهم ولا بالنصح أدركتهم .. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أول عيد ميلاد في الغربة

رهف: لله مصير من سلك دربك .. صرخة أنثوية مرتفعة الصدى في وجه المجتمع.

مكتبتي #1 : الليالي الهادئة .. ميسلون هادي