قليلون من يفهمون :( ... 2


بدأت لتوك عمرتك الثانية ، القلب لا يخفق كما المرة الأولى ، لا أريدك أن تنكر هذا، هو الشوق فقط، تشتاق لرؤيا البيت و ليس شئ آخر، و يزداد علي هذه الرحلة فرحتك التي غمرتك لعلمك بأنك علي وشك زيارة مسجد الرسول، ليس أمراً هيناً علي القلب مطلقاً. لا تحاول أن تنكر أن شوقك للرسول فاق شوقك لمسجد الله الحرام ، .. أكرر .. لا تحاول أن تنكر ، يبدو هذا جلياً عليك ، علي ابتسامتك و أنت تطء بقدمك اليمنى أولاً خارج الحافلة و أنت تنسى زجاجة المياة بالداخل ساهياً أنك أدخرت كوب مياة لتشربه في آخر اللحظات الممكنة قبل صلاة الفجر ، لتمنع عن نفسك عطش الساعات الأولى من نهار اليوم التالي، شعرت بك و قلبك ليس صامداً و أنت ترى مآذن المسجد الحرام -النبوي- من بعيد ، علي مرمى بصرك الزائغ، ارتديت عدسات نظرك و أنت الذي تخليت عنها طوال الرحلة فقط لتستمتع الآن و تنقي صورة عيناك الملأي بالشوائب ، لتنقي نظرك من ضعفه لترى مآذن مسجد الرسول بوضوح من علي هذا البعد، لتشهد روعه و قدسيه المكان الذي اهتز له قلبك بعنف ، متمنياً أن تظل هناك لأكثر من ساعتين هما المهلة المحددة قبل أن تتحرك الحافلة بك من جديد لزيارة الأماكن المقدسة فالاحرام من ميقات أهل المدينة . 
تتحرك بشغف وسط أروقة المسجد النبوي، لا تهتم سوى بالوصول للروضه ، و لا تنكر أن زال شغفك ببنيان المسجد أو قدسيته، لا تنكر أنك ما اهتممت حينها إلا بالوصول لمقام الرسول متمنياً أن يكون الأمر هيناً، و لا تنكر خفقان قلبك بصورة لم أعهدها، لا تنكر اني أراك لأول مرة علي هذه الصورة، نظرك المعلق بالروضة و أنت تسير في هذا التلاحم المهيب لتلقي السلام علي حبيب الله ، فقط لتلقي السلام، لم يحالفك الحظ بالتوقف امامه ، لم يحالفك كذلك علي لمس جدران روضته ، بل كنت بعيداً بما يكفي لأن تكون ذكراك ضعيفة مثلك ، لا تقوى علي البقاء في الذاكرة طويلاً . لا تنكر انك بعد مرورك صرحت بأن قدسيه المكان و روعته لا تكمن إلا في زيارة الحبيب متحدياً أفضال الصلاة في مسجد الرسول و بيته، ممنياً نفسك أن تعيد الكرة ، أن تعيد الانضمام لتلاحم بشري مماثل لتلقي نظره أخرى علي النبي و أصحابه، لكنك لا أدرى لماذا تحاول الحفاظ دائماً علي رباطه جأشك، و كأن الشوق للرسول و إعلانك ذلك لهو أمر مشين ، تيقظ و أنظر فيم تفكر، أنت أخرق حقاً .. 
أنتهيت الآن من زيارتك للنبي محمد و صاحبيه، اتجهت نحو الحافلة و تواري وجهك خجلاً مما ظنت به نفسك، تتساءل لماذا انكرت علي نفسك فضل الصلاة ها هنا، تتذكر كوب المياة الذي ادخرته ، تتذكر انك لم تصلي إلا ركعتين سبقا الفجر ، تلوم نفسك انك لم تصل من مزيد، لم تمسك بأحد المصاحف و تقرأ منها ما تيسر لك و أنت من لم تعهد في سابق أعوامك أن تتركه ، نعم قررت من قبل و وافقتك أن تعامل رمضان كسائر الشهور ، ما دمت أقرأ القرآن ، لن أزيد من معدلى الطبيعي ، فأنت لن تنافق الله ، أما الآن الوضع مختلف ، لماذا لم توقن هذا ، لماذا تركت الفرصة تمر بين يداك بهذه السهولة ، لقد كنت هناك علي بعد خطوات من الروضة المباركة ، و كان بإمكانك الصلاة و قراءة القرآن كما لم تفعل من قبل ، لكنك أكتفيت بدور السائح الذي يصور تجمعات الحمام الرائعة ، و ينظر بتأمل للشمسيات العملاقة التي تغطي صحن المسجد و تحركها  الآلي مع أول لسعة شمس و التي تلت شروقها مباشرة في تباين و تناسق مريب .. 
هل انتهيت من تأنيب نفسك إلي هنا ، هل أدركت عظمة ربك و روعة نبيك ، هل ارتاح صدرك و هدء روعك كما كنت تظن ، هل ما زلت تفكر بها ، أمنية جديدة ستطرحها أمام الله لكي ينفذ وعده الحق، مطلب استحققت أن يؤديه اليك الله ، حسناً .. أفق من غفوتك ، فنحن وصلنا لجبل أحد ، تهبط علي قدماك اللتان تحملاك بصعوبة ، فأنت شعرت بالعطش بسرعة بالغة ، و تسخر في البداية من هؤلاء الذين يتسلقون الجبل ، ثم لا تلبث أن تتسلق مثلهم متفوقاً عليهم و متخذاً لنفسك مواضع مثالية ترقب فيها عيناك البلد الحرام جميعها ، و تلتقط بعدسة كاميرتك مآذن مسجد الرسول أو هكذا أعتقدت .. 
أفق يا غلام ، هيا بنا نحو الحافلة .. طريق قصير و توقفنا في مسجد القبلتين ، وقت قليل لم يسمح لك بإعادة التفكير فيما بدر لنفسك قبل الصعود علي جبل أحد ، هذا المطلب الذي تحاول أن تجده ، حتى لا يخيب ظنك كمرتك الأولى، تهبط من الحافلة و تتوضأ من غفوتك و تصلى ركعتين ، هنا و كفى .. إلى الحافلة من جديد .. ثم إلي مسجد قباء قبل أن تعاد كرة التفكير في أمرك الذي يشغل بالك أكثر من الاستمتاع بما تراه و تشهده ، ألم تكن تعلم أنك تشهد تاريخ الاسلام و الدعوة الاسلامية ، ألم تكن تعلم انك لا تمر علي مساجد عادية ، بل انك تشهد كيف و لماذا و أين صنع التاريخ الاسلامي ، لكنك لم تأبه لذلك إلا بعد فوات الأوان ، ركعتين في مسجد قباء أعادا اليك توازنك لتشهد أنك ما ترى إلا إعجازاً ربانياً لا يتمثل في مبنى بهي أو صناعات دنيوية صماء ، الروح النبوية التي سكنت جدران المسجدين يلفان كلاهما بقبس من نور لا تستطيع عيناك تجاهله مهما بلغت من الجحود .. 
تفيق الآن علي عودتك للحافلة التي تتحرك بهدوء معلنة أنك الآن علي وشك الاحرام ، تغتسل كسابق المرات و تخلع ما عليك من مخيط و ترتدي قطع القماش التي اصطحبتها معك من الرياض و حتى المدينة ، و لا تحاول ان تخف عني تفكيرك في اقتناء ثوب جديد ، لا تنكر اعتقادك أن عمرة جديدة في أجواء رمضانية مهذبة كهذه تستحق منك ان تنفق قليل الريالات علي ثوب إحرام جديد ، رأيت هذا في عينيك ، لكنك ما لبثت أن أعدت التفكير في الأمر ، فما الخطب في إحرامك الحالي ، فلا لونة تغير ، و لا تنبعث منه ما تكره من الروائح ، بل هو علي ما طاله من سوء تخزينك له ، علي أفضل حال ، و كأنه لم يمس بسوء ، تنبعث منه رائحة طيبة ، هي ليست رائحة مساحيق التنظيف و لا حتى رائحة مسكك المزعوم ، و لا هي رائحته عندما كان جديداً ، او حتى رائحة عرقك و تعبك رفضا أن يغادرا من عمرتك الأولى ، بل هي رائحة أذكى بكثير ، لا أعلم و لا أظنك تعلم من أين أكتسبها .. 
تغتسل و تتوضاً و تصلي ركعتين و تنوي ، و تثار رأسك بفكرة مضمونها عدم إحسانك الوضوء ، ربما تعودت علي هذا الوضوء السريع ، ألم يكن من الواجب أن تتحلى بقليل الصبر و تنعم بوضوء هادئ ، ستقول لي أن أغتسالك الشرعي يعد وضوءاً .. و سأقول ألا تستطيع أن تزيد النور نوراً و تحسن الوضوء علي الأقل .. حسناً لا بأس .. لن أسمح لك و لا لنفسي أن تفسد هذه العمرة ، فنحن لم نوقن من صلاح الأولى ، هي عند الله يديرها و يحسبها كما يشاء ، كل ما لنا علي الأرض الآن هو إحسان هذه العمرة ، و صناعتها بمثالية ، ان نفعل كل شئ كما يجب أن يكون و ليس كما فعلناه أولاً أو تسول لك نفسك فعله ثانياً .. 
ارتديت أحرامك و صعدت للحافلة بخطوات هادئة ، تعتقد أن الوقت هو ما يفصلك عن إتمام عمرتك ، لم تتيقن من أن الوقت ليس حليفك إلا عندما التقطت عيناك أخيراً اللافتة التي تخبرك أنك تبعد عن الحرم بما يقارب الاربعمائة كيلو متراً ، و كأنى قبلك لم يزداد شوقي، لا بأس إذن ، دعنا نلتقط أنفاسنا ، و نحاول ترطيب أفكارنا قبل حلوقنا التي جفت بسرعة مذهلة بالتفكير في أمرنا المعلق ، في دعوتنا المستجابة التي وعدنا الله بها ، استغرقنا قليل الوقت أو كثيره ، لكننا غلبنا النعاس ، و غلبني قبلك ، فأنا إن لم يغلبني النعاس فانه لا يقدر عليك ، و إن غلبني فأنت فريسته الضعيفة . 
اتفقنا أو اختلفنا فان شجارنا مع النعاس طال ، نصحو و نغفو في قلة حيلة أثيرة ، و طوال استيقاظنا لا نفكر بمطلبنا ، لن تستطيع خداعي ، فتضاريس المملكة جذبتك هذه المرة ، الجبال الحمراء و السوداء و البنية و المائلة للخضار و منظر كثبان الرمل التي صنعت منها الرياح أشكالاً فنية لا يقدر علي رسم ملامحها بشر ، كل هذا لم تلحظة في رحلتك الأولى لكنك لاحظته اليوم ، المرة الأولى كان شغلك هو خفقان قلبك من رهبة اللقاء ، أما اليوم فأنت لا تهاب رؤية البيت كما يبدو عليك ، فقط تتأمل روعة جوهر المملكة التضاريسي و تقول "سبحان الله" .. حتى عودتك الى الله لم تذكرك بما كنا نشغل وقتنا سوياً في فعله .. ماذا سندعو أول ما نرى البيت .. ؟؟؟؟ 
اقتربنا من مكة .. هيا استيقظ ، تهبط بقدمك الذي لا أذكرها و لا أظنك تذكر ، فان تذكرت بالتأكيد لذكرتني ، ندلف الى الفندق بهدوء ، نمسك مفتاح الغرفة المجمعة التي سنسكن بها لأقل من 24 ساعة ، ثم يبدأ دورك في تحميس الكسالى لآداء العمرة قبل الإفطار ، و تنجح بصورة مبهرة ، راقتني حماستك و ظننت انك تخفي لي مفاجأة .. ظننت انك تأتمن نفسك علي أمنية لم تشأ أن تعلمنى بها ، كيف تداري عنى شيئاً كهذا و أنا رفيق دربك من يوم ولدت و حتى الآن ، فيما تفكر الآن يا تري ، صدقني لو قلت لك أني حقاً لا أعلم ، صرت أنا غريباً عنك و أنت تتقدم المسير نحو الحرم و كأنك تعلم أي طريق تسلك و أي درب تخطو .. لكنك حقاً فاجأتني ، بل و فجعتني .. رأيتك و أنت تشهد البيت الحرام و تفقد النطق ، ماذا حل بك ، أين ذهبت دعوة المرة الأولى "اللهم اشف أبي" .. أين ذهبت أمنيتك بأن يقربك الله من حسناء الأرض و صورة حوره العين من بنات حواء ، اين كل أمانيك بنجاح روايتك المنتظرة ، أين دعواتك حتى لمصر بلدك الأم .. حقاً لقد أفزعتني بفراغ ذهنك ، و حقأ ألمتنى لما توقفت عن التفكير في كل شئ ، اي رهبة تمر بها و أي حنق أمر به الآن .. لماذا تفعل هذا ، لماذا افرغت دنياك فجأة من محتواها ، و كيف ظننت انك قادر علي اخفاء ذلك عني .. 
لا بأس .. بالتأكيد أنت تخفي شيئاً آخر ، ربما في دعائك أثناء الطواف ما يشفي غليلي ، ربما في الفرص السانحة للمس كسوة الكعبة طريدتي ، لكنك أبيت ، ما استعملت أيه فرصة من هذه الفرص، تنحيت بهدوء لتكمل عمرتك ، دعائك العائم ، لا شئ محدد ، لا أمنية معينة ، بل دعوات بصفة عامة ، اللهم أشف مرضانا و ارحم موتانا و استر عيوبنا و عافنا و سامحنا و اعف عنا .. يالها من أدعية مطاطية شغلت نفسك بها ، كيف لم تطلب شيئاً لنفسك ، هل استحيت أن تطلبها من الله ، هل لأنه يوماً لم يلبي نداءك ، هل لأنها أبداً لم ترد علي رسائلك ، هل لأنك يوماً اتخذت بديلاً عنها و أراك الآن تحاول أن تجد بديلة جديدة، ألهذا لم تطلبها من الله ، ألهذا لم تنادي باسمها كما فعلت مرتك الأولى و أنت تلامس أستار الكعبة في مشهد مهيب و كدت تبكي و أنت تطلب من الله أن يمنحك منها نظره ، أعجزت عن آداء مثل هذا الدعاء ، أعجزت رجولتك أن تسيطر عليك هذه المرة ، و شرعت في أدعية النسوة بالستر و العفة و الشفاء ، أما كان في الامكان ان تطلبها من الله ، ربما يسمعك هذه المرة ، ربما يمنح قلبها بعض اللين ، ربما تسنح الفرصة لها لتغير من نظرتها نحوك .. ربما أشياء كثيرة تحدث ، فقط لو كنت دعوت الله باسمها .. 
لا بأس إذن من منافسة علي التقاط الحجر الاسعد .. تخور قواك كالعادة .. تباً لك .. تارة ترفض الدعاء و التضرع ليرزقك الله باحدى ملائكته و الآن تنزع نفسك باكراً من منافسه شريفه علي لمس الجنة .. يالك من أحمق .. 
أنهيت طوافك ، الآن ارجو ان تتم فطورك ثم سعيك في صمت ، إن دعوت بشئ غير ما سبق .. فاعتبره فراق بيني و بينك ، اكتفي بأدعية الشفاء و الرحمة من الشقاء و لا تذكرها أمام الله ، لعل الله يقبل عمرتك و أنت تخفي عنه مطلبك الحقيقي ، و أنت تتكبر علي الله ان تدعوه بما في نفسك ، أليست هي حاجة في نفسك .. ... حسناً .. سأصمت للنهاية ، سأتركك تؤدي مناسكك في صمت ، و لكن اعلم انى غير راض عن ما يدور بخلدك ، غير مقتنعاً بصمتك عن رغبتك .. 
.. 
أنتهيت الآن .. تحلق رأسك .. تنزع عنها كل شعرها .. هنيئاً لك ما صنعت ، ربما خفت المرة السابقة موس الحلاقة ، أما اليوم أرى في وجهك جرأة .. صليت التراويح .. عدت لتخلد في ثباتك العميق .. بعد التهامك لوجبتك من الدجاج و أرز الكبسة ردئ الصناعة ضعيف النكهة . لا بأس .. فقط أصبر . 
استيقظت اليوم التالي مضيعاً صلاة الفجر ، كيف بإمكاني مساعدتك؟ .. هرعت لصحن المسجد الحرام ، ها أنت الآن تدور في حلقات مفرغة ، تحاول أن تلتقط تفاصيل أخرى للمكان ، ربما فاتتك المرة الماضية ، و مشروع توسعه الحرم ما باله يشغل بالك هكذا ، ما بالك تلحظ كل الحركات و لا أشعر رغم ذلك بما تريد .. ذهنك مشوش و لا أعلم لذلك سبب .. أراك تنهض غير مكترثاً بفهمي أو لا ، و تتجه صوب الكعبة ، تتخطي الصفوف .. تلامس الستار .. ليس صعباً كالمرة الأولى .. تبدأ في دعاء .. آآآآه ه ه .. ليس مرة أخرى ، ذات الأدعية العامة ، .. و لكن مهلاً .. ها أنت تدعو لمصر .. أن ينصر الحق .. أن يولي من يصلح ، أن يوقف سيل الدماء .. تبدو منطقياً بعض الشئ ، ثم .. أنت تفاجأني ، تدعو لأبواك و جدتك ، أن يكتب لهما زيارة البيت الحرام و روضة الرسول ، حسناً .. هناك تقدم ، هذه أشياء لم تذكرها أمس .. الآن تدعو لأعمامك و أخوالك و عماتك و خالاتك و أبناء عمومتك أجمعين .. كل فرد باسمه ، ياللصبرك ، لكني منشرح الصدر ، فحتماً سيصيبها الدور .. مهلاً .. أسمعك الآن تدعو لأصدقائك بالصحة و الزوجة الصالحة ، بل و كثير من معارفك كذلك ، تدعو لهم بالصحة و الهداية و الشفاء و دوام نعمه الله عليهم ، مهلاً .. أين هي من دعائك .. أراك تنسحب .. كيف ...  لقد صدمتني .. 
الآن تجلس في الصحن مسروراً .. نعم أرى سبباً للسرور ، لكني أجد سبباً واضحاً لعبوسي علي عكسك ، فأنت لم تذكر عنها شيئاً .. مهلاً .. لم تدع لنفسك أصلاً .. كيف لم ألحظ هذا ، أنت لم تدع لنفسك لا أمس و لا اليوم ، أنت تتجاهل نفسك كما تتجاهلها ، أعلم انك قلت عنها من قبل انها أهم لنفسك من نفسك ، لكنني اعتقدت ان هذا مبالغة بلاغية ليس أكثر ، لكنني اليوم صدقت، فانعدام دعائك لها قوبل بانعدام دعائك لنفسك .. يا لك من بشري عجيب الطبع .. ماذا تريد الآن .. 
لا أسمع صوتك ، لكن لأول مرة ألمس في ملامح وجهك حماسه .. أراك تنهض دون أن تخبر رفيقك عن نيتك ، تتجه صوب التجمع العملاق .. تختلط به .. تكاد عدسات عيناك تسقط .. تثبتها فوق أنفك بهدوء أعصاب ، و تمد بيدك كمن يطلب النجدة ، لتتلامس أناملك معها .. و ما ان تمر ثانية .. إلا و دفعك المهرولون خارجاً بعد أن نالوا نصيبهم من النجدة الربانية .. فجأة أجدك وسط المطوفين .. ثم أسمعك تتمتم .. "لن أستسلم بهذه السهولة" .. "لن أكون بهذا الضعف" .. ثم رأيتك تستعمل ذكاءك بصورة مفرطة لأول مرة منذ عرفتك .. تلتصق بجدار الكعبة و تتجة صوبه . صوب النجاة .. و حين يأتي دورك .. تلصق يمناك و يسراك به .. و تتشبث به معلناً عن فرط قوتك ، لم أراك قوياً من قبل ، بل ما رأيت فيك من الصفات الحسنة الكثير .. لكنني رأيتك في هذه اللحظة عملاقاً يحاول ان يحمي خاصته .. أرى وجهك المنكب فوقه تقبله لثوان معدودة .. سمعت فيها همهتك .. "اللهم ارزقني رؤياها" .. ماذا تقول ؟ "اللهم اجعلها لي زوجه .. ان لم تكن في دنياك ، فآخرتك" .. ثم خارت قواك ... !!!!!!
... 
ألهذه الدرجة تمنيتها ، ألهذه الدرجة أحببتها ، لم أكن أصدقك من قبل ، أما الآن فقد صدقتك لا محالة ، لقد انتظرت أن تقبل الجنة ، لقد انتظرت ان تستلم الحجر الأسعد ، حجر الجنة علي الأرض لتطلبها من الله .. للحظة لم أصدقك ، ليومان كنت ألومك ، أما الآن .. فأنا أعتذر منك .. أعتذر منك حقاً .. فما رأيت منك لا أستطيع ان اصفه .. تلامست بكفيك و وجهك مع الجنة فقط لتطلبها من الله .. لا أستطيع الكلام .. لقد فقدت حروفي معناها .. و صار الحديث بلا جدوى ، لكن ما يخيفني ، لماذا لم تصارحنى ، لماذا كان تأنيبي لك طوال الرحلة شيئاً هيناً .. يا لك من أحمق .. 
حسناً إذن .. الأمر الآن بيد الله .. هو وحده مصرفه .. 
لقد فعلت أنت ما منحتك قدرتك علي فعله بأمر الله .. 
اترك الباقي .. له وحده .. لله رب العالمين .. 
رب الحرمين و رب الخلق أجمعين .. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أول عيد ميلاد في الغربة

رهف: لله مصير من سلك دربك .. صرخة أنثوية مرتفعة الصدى في وجه المجتمع.

مكتبتي #1 : الليالي الهادئة .. ميسلون هادي